تمهيد
حينما حاول علماء النفس تحديد موضوع علم النفس وميدان اشتغاله، تعددت الاتجاهات وتنوعت المقاربات، وذلك لأن الواقع النفسي واقع غني ومتشعب، يصعب اختزاله في ظاهرة واحدة أو إخضاعه لمنهج موحد. فهناك من ركز على السلوك الظاهر، ومن اهتم بالشعور، ومن جعل الإدراك موضوعًا أساسيًا للدراسة. غير أن مدرسة التحليل النفسي، مع سيغموند فرويد، سلكت طريقًا مغايرًا، إذ جعلت من اللاشعور أساسًا لفهم الحياة النفسية والسلوك الإنساني. يقول د. فاخر عاقل في كتابه مدارس علم النفس إن تشعب الظواهر النفسية وتنوعها يفسر تعدد المدارس السيكولوجية واختلاف مناهجها، وهو ما يبرز خصوصية التحليل النفسي الذي لم ينطلق من الظاهر، بل من الخفي والمكبوت في النفس الإنسانية.
أولًا: اللاشعور أساس الحياة النفسية
يرى فرويد أن الظاهرة النفسية الجوهرية ليست الشعور ولا السلوك الظاهر، بل الحوادث اللاشعورية التي تشكل العمق الحقيقي للنشاط النفسي. فاللاشعور مجال لا يمكن ملاحظته مباشرة، ولا يخضع للمراقبة، لكنه يعبر عن نفسه بطرق رمزية، كالأحلام، وزلات اللسان، وفلتات القلم، والنسيان. ولذلك يؤكد فرويد أن التحليل النفسي ليس مجرد تقنية علاجية، بل هو فن تأويلي يتطلب خبرة ومرانًا.
🔍 ابحث عن الحقيقة خلف الظاهر
إذا كنت ترغب في تجاوز السطح والغوص في أعماق المعرفة الفلسفية والنفسية، فإن قناتنا هي دليلك لفك رموز الفكر الإنساني. اشترك الآن لتصلك تحليلاتنا المعمقة.
اشترك في قناة Philorami على اليوتيوبثانيًا: من الاكتشاف الطبي إلى البناء النظري
انطلق فرويد من ممارسته الطبية، خاصة في علاج الأمراض العصابية، حيث لاحظ من خلال التنويم المغناطيسي أن المرضى يستحضرون ذكريات ورغبات لا تظهر في حالة الوعي العادي. ومن هنا افترض أن النفس الإنسانية تزخر بدوافع وميول ورغبات، يتحقق بعضها، بينما يُحال بين بعضها الآخر وبين الإشباع، فيُكبت وينزوي في اللاشعور بدل أن يختفي.
ثالثًا: الكبت وتكوّن اللاشعور
يؤكد فرويد أن الرغبات المكبوتة لا تموت ولا تفنى، بل تستمر في التأثير في السلوك بشكل غير مباشر. فاللاشعور هو خزان لهذه الرغبات والدوافع التي مُنعت من الإشباع، وهو يشكل مصدرًا أساسيًا للاضطرابات النفسية. ويرى فرويد أن الشفاء يتم بخروج الكبت إلى حيز الوعي.
رابعًا: بنية الشخصية عند فرويد
يشبه فرويد الشخصية الإنسانية بـ جبل الجليد: الجزء الظاهر منه يمثل الشعور، بينما يشكل اللاشعور الجزء الأكبر والخفي.
😈 الهو: يمثل الغرائز والشهوات والدوافع الفطرية، ويخضع لمبدأ اللذة.
⚖️ الأنا: يمثل العقل والتوازن، ويتمركز حول مبدأ الواقع.
👼 الأنا الأعلى: يمثل القيم الأخلاقية والمثل الاجتماعية، ويقوم بوظيفة المراقبة.
خامسًا: المرض النفسي وآليات الدفاع
يفسر فرويد المرض النفسي بوصفه نتيجة تدفق المكبوتات اللاشعورية عندما تضعف رقابة الأنا. ولتخفيف التوتر، تلجأ الشخصية إلى آليات دفاعية، مثل: الكبت، التبرير، الإسقاط، النكوص، الإعلاء، والتقمص. وتعد هذه الآليات وسائل لاشعورية لحماية الأنا.
سادسًا: منهج التحليل النفسي وأدواته
- 🗣️ التداعي الحر
- 💤 تحليل الأحلام
- ✍️ تأويل زلات اللسان وفلتات القلم والنسيان
خاتمة
خلاصة القول، إن نظرية فرويد في اللاشعور أحدثت ثورة في فهم النفس الإنسانية، إذ بينت أن الذات ليست وعيًا خالصًا، بل هي بنية مركبة تتداخل فيها قوى شعورية ولاشعورية. وبفضل التحليل النفسي، أصبح من الممكن تفسير السلوك الإنساني تفسيرًا أعمق، يتجاوز الظاهر إلى كشف الدوافع الخفية التي توجه أفعال الإنسان وتحدد مسارات حياته النفسية.
