تحليل نص رونيه ديكارت الآنا والوعي
أولا: مطلب الفهم
تحديد موضوع النص
يتأطر النص داخل المجال الاشكالي لمجزوءة الإنسان حيث يعالج مفهوم الوعي وعلاقته بالإدراك الحسي والشعور
اشكالات النص
ما معنى الوعي عند ديكارت...؟ هل هو شعور ذاتي خالص أم إدراك حسي مباشر...؟ وما العلاقة الرابطة بين الأنا والوعي...؟ وهل الوعي بالذات حقيقة بديهية...؟
ثانيا: مطلب التحليل
تحديد أطروحة النص
الوعي عند ديكارت شعور خالص، فـ"الأنا" ذات مفكرة وواعية، والتفكير هو أساس وجودها، "أنا أفكر إذن أنا موجود"، فإذا انقطعت عن التفكير انقطعت عن الوجود. والوعي شعور وتفكير في الذات، وهو "وعي" ينكفئ على الذات ويتم داخلها، ووظيفة تقوم بها النفس عبر العقل، ولا دور فيها للجسد أو الحواس.
البنية المفاهيمية
تتشكل البنية المفاهيمية للنص من عدة مفاهيم أساسية لعل أبرزها "الوعي والأنا والفكر" أما مفهوم "الوعي" فهو خاصية أساسية وثابتة تميز الأنا كجوهر مفكر. و"الأنا" حسب النص فيشير إلى الذات الواعية والمفكرة، بينما يدل مفهوم "الفكر" على الوجود، "أنا أفكر إذن أنا موجود". وتتجلى العلاقة بين هذه المفاهيم في تأكيد صاحب النص على أهمية الفكر في تأسيس وعي الانسان، وهو تفكير مبني على الشك: وهو ما صاغه ديكارت وأصبح يعرف فيما بعد بالكوجيطو الديكارتي: " أنا أشك إذن أنا أفكر، إذن أنا موجود".
البنية الحجاجية
اعتمد صاحب في عرضه لأطروحته على أسلوب حجاجي غلب عليه طابع التساؤل والاستنتاج، حيث يمكننا التمييز بين نوعين من الأسئلة: السؤال الاستشكالي (أي شيء أنا؟ وما الشيء المفكر؟) وهنا يتساءل ديكارت عن طبيعة وجوهر "الأنا". والسؤال الاستنكاري: (لم لا تكون؟ ألست أنا؟ فهل هناك؟) وهنا يريد ديكارت أن يثبت أن "للأنا" خصائص لا تنفصل عنه مثل التفكير والشك والفهم والنفي والتخيل.... ليستنتج صاحب النص في النهاية على أن الوعي شعور خالص وهو أمر بديهي وواضح.
ثالثا: مطلب المناقشة
قيمة النص وحدوده
- تتجلى قيمة النص في جعله "الذات" مستقلة في وعيها، وغير مرتبطة بما هو خارجي، وأيضا في جعله للفكر جوهرا للذات وأساس وجودها.
- لكن هذا لا يمنع ممن الوقوف عند حدود النص، أو الجوانب التي لم ينتبه إليها ديكارت، ومن أهمها دور الجسد ودور الحواس في عملية التفكير ككل، والوعي بالذات بالخصوص.
- وهذا ما يجعلنا نتساءل: ألا يمكن أن یكون الوعي إحساسا...؟ ألیس للجسد والحواس أي دور في الوعي بالذات...؟ ألا ندخل في علاقة مع العالم الخارجي بواسطة الجسد والحواس...؟
موقف دافيد هيوم
للإجابة عن الاشكال المطروح هل الوعي شعور ذاتي خالص أم إدراك حسي مباشر؟ يمكننا استحضار موقف الفيلسوف الإنجليزي "دافيد هيوم" فإذا كان ديكارت قد اعتبر الأنا جوهرا مفكرا يعي وجوده عن طریق التفكیر المجرد في الذات وفي استقلالها عن العالم الخارجي، فإن "دافيد هيوم" سيتخذ موقفا آخر وسيقدم أطروحة أخرى مناقضة لأطروحة ديكارت، حیث سیربط الوعي بالإدراك الحسي، إذ لا یمكن" للأنا" أن يعي ذاته ويشعر بها من دون عملية إدراكية حسية، وبزوال الادراك الحسي يزول الوعي بالذات ولا يعود الأنا موجودا.
خلاصة التحليل والمناقشة
استنادا إلى ما سبق، يتضح لنا أن مفهوم الوعي مفهوم إشكالي، طرح جملة من التساؤلات والإشكالات، لعل أبرزها أساس الوعي وعلاقته بالفكر والشعور، وأيضا إن كان مرتبطا بما هو ذاتي محض أم بما هو خارجي أيضا. إضافة إلى ذلك، يتبين لنا أن الإجابات عن تلك الإشكالات اختلفت وتعددت، فهناك من جعل أساس الوعي هو الفكر "ديكارت"، وهناك من جعل أساسه مرتبط بالإدراك الحسي "دافيد هيوم". وبين هذا الموقف وذاك يمكن أن نؤكد أن الوعي رغم اختلاف التصورات حوله، يبقى محددا أساسيا من محددات الذات الإنساني.