تمهيد حول المباحث الأخلاقية
كانت الأخلاق، ولا تزال، من أبرز المباحث الفلسفية التي شغلت تفكير الإنسان عبر تاريخه، لأنها ترتبط مباشرة بالفعل البشري من حيث كونه فعلًا واعيًا موجَّهًا بقيم ومعايير. فالفعل الإنساني لا يقتصر على بعده الطبيعي أو النفعي، بل يتضمن بعدًا أخلاقيًا يجعل الإنسان كائنًا مسؤولًا عن أفعاله، خاضعًا لقيم أخلاقية سامية تنظّم سلوكه وتحدد علاقته بالآخرين.
ويسعى كل مجتمع، حفاظًا على استمراره واستقراره، إلى ترسيخ منظومة من القيم الأخلاقية، وتحديد واجبات الأفراد تجاه أنفسهم وتجاه غيرهم. وقد يخضع الفرد لهذه الواجبات بشكل تلقائي عبر العادات والتقاليد السائدة، كما قد يشعر بضغطها وإكراهها في حياته اليومية، الأمر الذي يدفعه إلى بناء واجبات أخرى يضفي عليها طابعًا ذاتيًا وعقليًا، فيلتزم بها التزامًا واعيًا وإراديًا حرًا. وهكذا، تشكّل الأخلاق من جهة كابحًا للنوازع العدوانية والشريرة لدى الإنسان، ومن جهة أخرى حافزًا يكشف عن قدرته على فعل الخير وتجنّب الشر والأذى.
إشكالات المبحث الأخلاقي
غير أن الفلاسفة اختلفوا في تحديد طبيعة الأخلاق وعلاقتها بكل من الواجب والحرية والسعادة، مما يطرح التساؤلات التالية:
- هل للأخلاق وجود مستقل داخل الذات الإنسانية لا يحتاج إلى إملاءات خارجية؟
- وهل الواجب الأخلاقي أمر مطلق ينبع من الضمير الأخلاقي للفرد، أم هو استجابة لقيم المجتمع ومثله؟
- وهل يكفي الاعتماد على الضمير الأخلاقي وحده لتأسيس السلوك الأخلاقي؟
🎓 استمر في التعلم معنا
إذا أعجبتك هذه التحليلات الفلسفية وتريد شرحًا أكثر تفصيلاً وتمارين تطبيقية، اشترك في قناتنا على اليوتيوب لتحصل على الدروس الجديدة أولاً بأول!
اشترك في قناة Philorami على اليوتيوبمواقف فلسفية حول الأخلاق
وفي هذا السياق، يمكن استحضار بعض المواقف الفلسفية التي حاولت الإجابة عن هذه الإشكالات، من قبيل:
- أفلاطون: يرى أن الأخلاق تقوم على كبح الشهوات وتجاوز مطالب الجسد، عبر توجيه النفس والروح نحو الخير والمعرفة ومحاربة الجهل.
- أرسطو: يربط الأخلاق بسعادة الإنسان التي تمثل غاية وجوده، ويعتبرها أفعالًا عقلية تسعى إلى تحقيق الخير الأسمى.
- كانط: يؤسس الأخلاق على العقل العملي، ويرى أن الالتزام الأخلاق واجب نابع من الإرادة العاقلة لا من الرغبات.
- جان جاك روسو: يعتبر الأخلاق إحساسًا فطريًا طبيعيًا يمكّن الإنسان من التمييز بين الخير والشر، ويجنبه إلحاق الأذى بنفسه وبالآخرين.
- نيتشه: يؤكد أن الأخلاق تنبع من الإنسان نفسه، ويدعو كل فرد إلى بناء قيمه الخاصة، بعيدًا عن الأخلاق الجاهزة، مع الاعتراف بكل أبعاد الإنسان الوجدانية والحيوية.