تقديم عام للمفهوم الوعي واللاوعي

تمهيد: مفهوم الوعي

يُعدّ الوعي من المفاهيم المركزية في التفكير الفلسفي والنفسي، إذ يعبّر عن قدرة الإنسان على إدراك ذاته والعالم من حوله، وعلى إقامة علاقة مباشرة ومستمرة مع الأحداث والوقائع التي يعيشها، وذلك عبر حواسه الخمس وملكاتـه العقلية. فالإنسان الواعي هو الذي يكون على دراية بما يفعل، وبما يحيط به، وبالعلاقات التي تربط بين ذاته وبيئته.

ويرى العديد من علماء النفس أنّ الوعي يتمثل في الحالة العقلية التي تميّز الإنسان بملكة الحكم المنطقي، والقدرة على الفهم والتحليل، وإدراك معنى العلاقة التي تربط الكائن البشري بمحيطه الطبيعي والاجتماعي. فالوعي لا يقتصر على الإدراك الحسي فقط، بل يشمل أيضًا القدرة على التفكير، والتأمل، وإصدار الأحكام، واتخاذ المواقف.

ويتضمن الوعي رصيدًا متنوعًا من الأفكار والمعلومات والحقائق والآراء والمفاهيم، سواء تعلّق الأمر بما هو مادي وملموس، أو بما هو معنوي ومجرّد. وفي هذا السياق، يرى كارل ماركس أن الوعي يُعدّ بناءً فوقيًا يتشكل تدريجيًا، وتندرج تحته مختلف الأنشطة الإنسانية، مؤكدًا أن الإنسان لا يمكنه العيش دون وعي، لأن هذا الأخير هو الذي يمنح أفعاله معنى ودلالة.

غير أنّ الوعي لا يكون دائمًا مطابقًا للواقع؛ إذ يمكن الحديث عن وعي زائف أو خادع، يتمثل في مجموعة من الأفكار والتصورات التي يتبناها الإنسان ويقتنع بها، رغم عدم انسجامها مع واقعه الفعلي. وفي المقابل، يوجد وعي حقيقي وواقعي، يسعى إلى الفهم السليم للأشياء، ويتخذ أشكالًا متعددة ومتنوعة.

أنواع الوعي

تتعدد أشكال الوعي وأنواعه، وقبل الخوض في هذه الأنواع، يجدر التمييز بين الوعي الزائف والوعي الحقيقي. وقد ركّز علماء النفس، في دراستهم للوعي الحقيقي، على مجموعة من الأنواع الأساسية، من أهمها:

⚡ 1. الوعي العفوي أو التلقائي: يتمثل هذا النوع من الوعي في قدرة الفرد على القيام بنشاط معيّن بشكل تلقائي ودون بذل مجهود ذهني كبير، مع الاحتفاظ بإمكانية التفكير في أمور أخرى في الوقت نفسه.

🧠 2. الوعي التأملي: يتطلب مجهودًا ذهنيًا كبيرًا وتركيزًا عاليًا. ينخرط الفرد في التفكير العميق، ويستحضر قدراته العقلية من ذكاء وذاكرة وفهم وتحليل، من أجل استرجاع أحداث الماضي.

💡 3. الوعي الحدسي: يُصنَّف ضمن أشكال الإدراك المباشر والفجائي، حيث يدرك الإنسان بعض المعاني أو العلاقات أو المشاعر دفعة واحدة، دون المرور بمراحل التفكير المنطقي.

⚖️ 4. الوعي المعياري الأخلاقي: يمكّن هذا النوع من الوعي الإنسان من إصدار أحكام قيمية وأخلاقية على الأفعال والسلوكات والأشخاص، والتمييز بين ما هو مقبول وما هو مرفوض.