📁 منوعات

الشخص بوصفه قيمة

تمهيد إشكالي

ليست الشخصية لفظًا غريبًا عن لغة التداول اليومية، إذ كثيرًا ما تُستعمل لإصدار أحكام تحدد قيمة فرد ما بالنسبة للآخرين. وهكذا تحيل الشخصية في التمثل الاجتماعي على مكانة اجتماعية مميزة لفرد ما وفق معيار قد يكون ماديًا، كالمظهر الجسدي والقوة والصورة الجمالية أو الموقع الاقتصادي، وقد يكون رمزيًا كالقيمة السياسية أو العلمية أو الدينية… وما يرتبط بذلك من إشعاع ونفوذ. غير أن هذه الأحكام الاجتماعية تفتح الباب أمام إشكالية فلسفية أعمق: أين تكمن القيمة الحقيقية للشخص؟ هل هي قيمة ذاتية أخلاقية ثابتة تلازمه بوصفه إنسانًا، أم أنها تُكتسب داخل المجتمع ومن خلال الاعتراف والعلاقات مع الغير؟

إشكالات المحور

  • ما الدلالة التي تحملها مفهوما الشخص والقيمة كمفهومين مركزيين داخل هذا المحور؟
  • أين تكمن قيمة الشخص: أفي ذاته أم في علاقته بالغير والمجتمع؟
  • من أين يستمد الشخص قيمته: هل هي قيمة مطلقة أم نسبية؟ ذاتية أم خارجية؟
  • وهل الشخص قيمة أخلاقية في ذاته أم من خلال مشاركته وانفتاحه على الغير؟

شرح المفاهيم الأساسية

الشخص: الذات الإنسانية بما هي ذات واعية ومفكرة من جهة، وحرة ومسؤولة من جهة أخرى، تتميز بالوعي والقدرة على الاختيار وتحمل المسؤولية الأخلاقية.

القيمة: خاصية تجعل الشيء مرغوبًا فيه وجديرًا بالعناية والاهتمام، وهي ما يمنحه مكانة واعتبارًا في نظر الإنسان.


المواقف الفلسفية

1. 💎 إيمانويل كانط: الشخص غاية في ذاته (القيمة المطلقة)

المنطلق الفكري: ينطلق كانط من الفلسفة الأخلاقية العقلانية التي تجعل العقل العملي أساس التشريع الأخلاقي، وترى أن الإنسان كائن عاقل قادر على وضع القانون الأخلاقي لذاته.

الأطروحة: يرى كانط أن قيمة الشخص لا تستمد من صفاته الخارجية ولا من نفعه الاجتماعي، بل من كونه كائنًا عاقلًا يمتلك القدرة على التشريع الأخلاقي الذاتي. لذلك فالشخص ليس شيئًا له “سعر” بل هو كائن له “كرامة” تتجاوز كل ثمن. ولهذا يجب معاملته دائمًا كغاية في ذاته لا كوسيلة. ويعبّر كانط عن ذلك بقوله: “تصرف على نحو تعامل فيه الإنسانية في شخصك كما في شخص الغير دائمًا كغاية وليس مجرد وسيلة”. فبما أن الشخص قادر على الالتزام بالواجب، فإن قيمته مطلقة وداخلية وتفرض الاحترام.

الخلاصة النهائية: قيمة الشخص عند كانط قيمة مطلقة وذاتية، أساسها العقل الأخلاقي والكرامة الإنسانية، وتوجب احترام الإنسان بوصفه غاية لا وسيلة.

قيمة الأطروحة:

  • تؤسس لكرامة الإنسان وحقوقه باعتبارها غير قابلة للبيع أو المقايضة.
  • تمنع تحويل الإنسان إلى أداة للاستغلال أو المنفعة أو العنف.
  • تجعل الأخلاق قائمة على الواجب لا على المصلحة أو النتائج.
  • تقدم معيارًا كونيًا للحكم الأخلاقي على الأفعال (احترام الإنسانية).

حدود الأطروحة:

  • طابعها المعياري المثالي قد يصطدم بواقع العلاقات الاجتماعية القائمة على المصالح.
  • تهمش دور المجتمع والاعتراف في بناء قيمة الفرد عمليًا.
  • تفترض عقلًا أخلاقيًا قادرًا دائمًا على التشريع، وهو ما لا يراعي اختلاف الظروف والتنشئة.
  • قد تبدو مجردة لأنها لا توضح كيف تُحمى الكرامة في الواقع السياسي والاقتصادي.

📺 اكتشف المزيد عبر قناة Philoramii

دروس مبسطة وتمارين منهجية حول محور قيمة الشخص (كانط/غوسدروف/هيغل) لمساعدتك على الفهم والاستعداد للامتحان.

الاشتراك في القناة

2. 🌐 جورج غوسدروف: الكمال عبر المشاركة (القيمة العلائقية)

المنطلق الفكري: ينطلق غوسدروف من تصور إنساني اجتماعي يرى أن الشخص لا يكتمل في العزلة، وأن الوجود الإنساني وجود علائقي يقوم على المشاركة والتضامن والانفتاح.

الأطروحة: يرفض غوسدروف فكرة الشخص المستقل المكتفي بذاته، ويعتبرها تصورًا مثاليًا لا ينسجم مع طبيعة الإنسان الاجتماعية. فالشخص لا تتحقق قيمته في الانغلاق على ذاته، بل في علاقاته مع الآخرين وفي انخراطه في الحياة المشتركة. إن الكمال الأخلاقي يتحقق بقدر ما يعطي الشخص ويشارك ويمنح، لأن الوجود الفردي يغتني في الجماعة ومن خلالها. لذلك فالقيمة ليست معطى نهائيًا ثابتًا، بل تتشكل وتتطور داخل شبكة العلاقات الإنسانية.

الخلاصة النهائية: قيمة الشخص عند غوسدروف قيمة علائقية تتحدد عبر الغير، وهي قيمة نسبية تتقوى بالمشاركة والانفتاح والتضامن.

قيمة الأطروحة:

  • تبرز أن الإنسان لا يحقق ذاته إلا داخل علاقات اجتماعية حية.
  • تؤكد أهمية الاعتراف والتفاعل في بناء الشخصية الأخلاقية.
  • تفسر كيف تتشكل القيم عمليًا عبر التربية والثقافة والمجتمع.
  • تمنح للتضامن والمشاركة دورًا مركزيًا في الكرامة الإنسانية المعيشة.

حدود الأطروحة:

  • قد تهدد استقلال الفرد إذا بالغت في ربط قيمته بنظرة المجتمع إليه.
  • تجعل قيمة الشخص رهينة الاعتراف، وقد يتحول الاعتراف إلى أداة ضغط أو إقصاء.
  • قد تفتح المجال لنسبية مفرطة تتغير بتغير الجماعات والمعايير.
  • لا تقدم معيارًا كونيًا ثابتًا لحماية الشخص من استبداد الجماعة.

3. ⚡ فريدريك هيغل: القيمة في الالتزام المجتمعي (القيمة المكتسبة)

المنطلق الفكري: ينطلق هيغل من فلسفة اجتماعية تاريخية تعتبر أن الأخلاق تتحقق داخل المؤسسات التي تجسد “الروح الموضوعية” مثل الأسرة والمجتمع المدني والدولة.

الأطروحة: يرى هيغل أن قيمة الشخص الأخلاقية لا تتحقق إلا داخل حياة الجماعة؛ فالفرد يكتسب قيمته عندما ينخرط في المجتمع ويؤدي واجباته ويقوم بدوره وفق المكانة التي يشغلها داخل المؤسسات. فالقيمة ليست مجرد شعور داخلي، بل هي سلوك أخلاقي عملي يترجم الالتزام بالقواعد والواجبات. وبذلك يصبح الشخص ذا قيمة بقدر ما يساهم في الحياة المشتركة ويحترم القوانين والمؤسسات التي تجعل وجوده ذا معنى اجتماعي.

الخلاصة النهائية: قيمة الشخص عند هيغل قيمة مكتسبة اجتماعيًا، تتحقق عبر الالتزام بالواجبات والانخراط في مؤسسات المجتمع والمساهمة في الحياة المشتركة.

قيمة الأطروحة:

  • تبرز دور المؤسسات في بناء الأخلاق وتحويلها إلى واقع عملي.
  • تفسر ارتباط قيمة الفرد بمسؤوليته داخل المجتمع.
  • تؤكد أهمية الواجب والالتزام في تشكيل شخصية أخلاقية.
  • تجعل الاعتراف الاجتماعي نتيجة للفعل والمساهمة لا مجرد ادعاء.

حدود الأطروحة:

  • قد تذيب الفرد في الجماعة وتضعف خصوصيته وحريته.
  • قد تبرر الطاعة للمؤسسات حتى لو كانت ظالمة أو غير عادلة.
  • تربط القيمة بالامتثال أكثر مما تربطها بالنقد والمقاومة.
  • لا توضح كيف يحافظ الشخص على كرامته إذا فشل المجتمع في الاعتراف به.

خلاصة عامة

يتضح من خلال هذه المواقف أن قيمة الشخص ليست مسألة واحدة بسيطة، بل تتراوح بين من يعتبرها قيمة مطلقة كامنة في الذات بوصفها كرامة عقلية أخلاقية (كانط)، ومن يربطها بالبناء العلائقي والانفتاح على الغير (غوسدروف)، ومن يجعلها قيمة مكتسبة تتحقق داخل المؤسسات والالتزام بواجبات المجتمع (هيغل). لذلك يمكن القول إن قيمة الشخص تقوم على توازن دقيق بين كرامة إنسانية ثابتة يجب احترامها، وبين اعتراف اجتماعي عملي يتشكل عبر المشاركة والالتزام.

دعوة للتفاعل والنقاش

في نظرك، هل قيمة الشخص تُستمد أساسًا من كرامته بوصفه إنسانًا، أم من دوره داخل المجتمع وعلاقته بالغير؟ ناقش رأيك وشاركه مع أصدقائك.

🎓 إعداد وتقديم: ذ. الرامي عبد الغاني