تمهيد إشكالي
تُعدّ إشكالية الشخص والهوية من أكثر الإشكاليات الفلسفية عمقًا وتعقيدًا، لأنها تمسّ جوهر الكائن البشري وتسعى إلى تحديد ما يجعله متطابقًا مع ذاته عبر الزمن، رغم ما يطرأ عليه من تغيرات نفسية وجسدية واجتماعية. فمفهوم الشخص يحيل على الذات الواعية، العاقلة، والحرة، القادرة على تحمل مسؤولية أفعالها، بينما تشير الهوية إلى ذلك المبدأ أو الأساس الذي يضمن وحدة الشخص واستمراريته عبر الماضي والحاضر والمستقبل. غير أن هذا التحديد يثير تساؤلًا فلسفيًا عميقًا حول طبيعة هذا الأساس: هل هو عقلي، نفسي، أم إرادي؟ وهل يوجد داخل الذات أم خارجها؟
إشكالات المحور
- ما الدلالة التي يحملها مفهوما الشخص والهوية باعتبارهما مفهومين مركزيين داخل هذا المحور؟
- ما الأساس الذي تتحدد به هوية الشخص: هل هو الفكر والعقل، أم الشعور والذاكرة، أم الإرادة؟
- وهل هذا الأساس واحد أم متعدد؟ ثابت أم متغير بتغير الزمن؟
شرح المفاهيم الأساسية
الشخص: الذات الإنسانية بما هي ذات واعية ومفكرة من جهة، وحرة ومسؤولة من جهة أخرى، تمتلك القدرة على التفكير والاختيار وتحمل المسؤولية الأخلاقية.
الهوية: الخاصية التي تجعل الشخص متطابقًا مع ذاته ومتميزًا عن غيره، وتضمن استمراريته عبر الزمن رغم التغيرات.
المواقف الفلسفية
1. رينيه ديكارت: الهوية أساسها الفكر
🧠 المنطلق الفكري:
ينطلق ديكارت من التصور العقلاني الذي يجعل العقل أساس المعرفة والوجود الإنساني.
📌 الأطروحة:
يرى ديكارت أن هوية الشخص تتحدد في الذات المفكرة، أي في فعل التفكير ذاته. فالجسد متغير وخاضع للفساد، والصفات الخارجية عرضية، لذلك لا يمكن أن تكون أساسًا للهوية. وحده الفكر يمثل جوهرًا ثابتًا لا يتغير، وهو ما عبّر عنه ديكارت بمقولته الشهيرة: «أنا أفكر إذن أنا موجود». فبفضل القدرة على الشك، والفهم، والتصور، والإثبات، يثبت وجود الذات كجوهر مفكر مستقل عن الجسد.
🧾 خلاصة الموقف:
هوية الشخص عند ديكارت تقوم على الفكر الخالص، وهو أساس داخلي، ثابت، وأحادي.
⭐ قيمة الأطروحة:
- تؤكد مركزية العقل في تحديد هوية الشخص.
- تضمن وحدة الذات واستمراريتها رغم التغيرات الجسدية.
- تؤسس لمسؤولية الشخص بوصفه ذاتًا واعية.
⚠️ حدود الأطروحة:
- إهمال البعد الجسدي والنفسي للإنسان.
- اختزال الهوية في بعد واحد هو الفكر.
- صعوبة تفسير فقدان الوعي أو اضطرابه.
📺 اكتشف المزيد عبر قناة Philoramii
شروحات منهجية ومقارنات مبسطة لمجزوءة الشخص والهوية تساعدك على الفهم والاستعداد للامتحان.
الاشتراك في القناة2. جون لوك: الهوية أساسها الشعور والذاكرة
🧠 المنطلق الفكري:
ينطلق لوك من التصور التجريبي الذي يجعل التجربة والشعور أساس المعرفة والهوية.
📌 الأطروحة:
يرى جون لوك أن هوية الشخص لا تتحدد بالعقل المجرد ولا بالجسد، بل باستمرارية الشعور الذي يربط الذات الحاضرة بالذات الماضية عبر الذاكرة. فالشخص هو نفس الشخص بقدر ما يمتد وعيه إلى أفعاله وأفكاره السابقة. وتعمل الذاكرة كجسر زمني يضمن تطابق الشخص مع ذاته رغم تغير الظروف والأزمنة.
🧾 خلاصة الموقف:
الهوية الشخصية عند لوك تقوم على الشعور والذاكرة، وهما أساس نفسي داخلي، متغير لكنه يضمن الاستمرارية.
⭐ قيمة الأطروحة:
- تفسر الاستمرارية الزمنية للهوية بشكل واقعي.
- تراعي التجربة النفسية للشخص.
- تربط الهوية بالمسؤولية الأخلاقية عن الأفعال الماضية.
⚠️ حدود الأطروحة:
- تجعل الهوية رهينة الذاكرة القابلة للنسيان.
- صعوبة تفسير الهوية في حالات فقدان الذاكرة.
- اختزال الهوية في بعد نفسي فقط.
3. آرثر شوبنهاور: الهوية أساسها الإرادة
🧠 المنطلق الفكري:
ينطلق شوبنهاور من تصور إرادوي يجعل الإرادة جوهر الوجود الإنساني.
📌 الأطروحة:
يرى شوبنهاور أن العقل والذاكرة والجسد مظاهر سطحية، ولا تمثل الجوهر الحقيقي لهوية الشخص. فالهوية تكمن في إرادة الحياة، وهي قوة ميتافيزيقية عمياء وثابتة لا تتغير رغم التحولات الجسدية والنفسية. هذه الإرادة هي ما يشعر به الإنسان في أعماقه بوصفه «هو هو» عبر الزمن.
🧾 خلاصة الموقف:
الهوية عند شوبنهاور تقوم على الإرادة باعتبارها جوهرًا داخليًا ثابتًا وأحاديًا.
⭐ قيمة الأطروحة:
- تكشف عن بعد عميق في الوجود الإنساني.
- تفسر الشعور بالثبات رغم التغيرات الظاهرية.
- تتجاوز التفسيرات العقلية والنفسية السطحية.
⚠️ حدود الأطروحة:
- طابعها الميتافيزيقي يصعب التحقق منه.
- إهمال دور العقل والوعي في الهوية.
- تصورها التشاؤمي للطبيعة الإنسانية.
خلاصة عامة
يتبين من خلال هذه المواقف أن تحديد أساس الهوية الشخصية يظل مسألة فلسفية معقدة؛ فديكارت يجعل الهوية قائمة على العقل، ولوك يربطها بالشعور والذاكرة، بينما يؤسسها شوبنهاور على الإرادة. وهكذا تظهر الهوية كبناء مركب يتداخل فيه العقلي والنفسي والإرادي، مما يجعل سؤال تطابق الشخص مع ذاته عبر الزمن إشكالًا مفتوحًا على تعدد الأجوبة.
دعوة للتفاعل والنقاش
في نظرك، أي عنصر هو الأقدر على ضمان هوية الشخص عبر الزمن: العقل، أم الذاكرة، أم الإرادة؟ ولماذا؟ شارك رأيك وناقشه مع زملائك.

