📁 آخر المقالات

المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية

الشخص بين الضرورة والحرية

الانسان كائن اجتماعي بالضرورة. اذ لا وجود للإنسان الا ضمن مجتمع ينتمي إليه، يرتبط أفراده في إطار نسق من العلاقات المتبادلة والثقافة المشتركة. ويطبع كل مجتمع سلوكات أفراده ومواقفهم وعاداتهم وتفكيرهم... باعتباره نموذج وأساس كل سلطة كما يقول دوركايم وإن كانت بعض فلسفات الوعي قد جعلت من الذات سيدة نفسها وأفعالها، فإن هناك توجهات فلسفية وعلمية كشفت على أن "الأنا" ليس سيد نفسه وأفعاله ولو في عقر داره.

اشكالات المحور

  • هل الشخص ذات حرة فيما يصدر عنها من أفعال...؟ أم أن هناك إكراهات وحتميات تبقي حريته مشروطة...؟

فرويد: الشخص ليس حرا

يقول فرويد: "الأنا مضطرة لخدمة ثلاثة من الأسياد الأقوياء، وهي تبذل قصارى جهدها للتوفيق بين مطالبهم، وكثيرا ما تكون هذه المطالب المتناقضة، والتوفيق بينها مهمة صعبة، إن لم تكن أقرب إلى كونها مستحيلة". فاللاشعور هو ذلك المتحكم الخفي، الذي يوجه سلوكنا ورغباتنا وميولنا. لكون شخصية الإنسان جماع صراع بين الغرائز (الهو) والمثل الأخلاقية (الأنا الأعلى) وضغوط الواقع الاجتماعي. ومن هنا لا يمكن اعتبار الشخص سيد نفسه وأفعاله، لأن هذا يتحدد وفق حتميات بيولوجية وسيكولوجية "اللاشعور والصراع النفسي".

اسبينوزا: الحرية وعي بالضرورة

ينتقد التصور الذي يعتبر الانسان حرا في اختياراته، فاعلا وفق مشيئته وإرادته، فالاعتقاد بوجود حرية من هذا النوع هو جهل بالأسباب الطبيعية التي تحدد فعل الشخص وحركته. فالشعور بالحرية مجرد وهم، ناتج عن وعي الإنسان بأفعاله، وجهله بأسبابها الحقيقية. ومنه يؤكد أن حرية الإنسان لا تنفصل عن امتثاله للضرورة، التي تصدر عن طبيعته الذاتية، أو تأتيه من طبيعة العالم الخارجي، فأن يكون الشخص حرا، معناه، أنه شخص واع ومدرك لوجوده ورغباته كنتيجة طبيعية لأسباب وعلل مختلفة، هذه الاخيرة توجهه وتحكمه، وبالتالي فهي حرية مشروطة بالوعي وبادراك الشروط الضرورية وراء أفعاله، وحركته، واختياره.

سارتر: الحرية أساس الوجود

الشخص في نظره ذات حرة. حيث تدافع الفلسفة الوجودية من خلال "سارتر" عن حرية الاختيار المطلقة للإنسان مقابل التصورات التي تقيد حريته بالظروف والمحددات الوراثية والاجتماعية والاقتصادية... فهنا لا وجود لضرورة تُلزم الشخص بحتميتها وإكراهاتها. لا وجود الا لذاتية حرة ومسؤولة. وهذا ما ذهب إليه من خلال كتابه "الوجودية فلسفة إنسانية" بقوله "الانسان لا يكون إلا بحسب ما ينويه وما يشرع في فعله" وبذلك يمكن اعتبار تصور "سارتر" تعبيرا عن التصورات التي تُعلي من شأن الشخص، وتجعل منه كائنا متحررا من كل ضرورة، وتميزه كوجود ذاتي قادر على الاختيار وتحمل المسؤولية.

خلاصة المحور

الانسان من جهة، كائن خاضع لمجموعة من الحتميات والاكراهات تشرطه كليا: فكره، وأفعاله، وسلوكه منتوجات لقوانين الكون (الفيزيائية)، ولقوانين الجماعة (المجتمع)، ولقوانين الفكر الرمزي (الثقافة)، ومن جهة ثانية فالإنسان ذات حرة في جوهرها، فهو مشروع منفتح على مجموعة من الإمكانيات، ولهذا فهو مسؤول عما هو عليه انطلاقا من أو وجوده يسبق ماهيته. 
تعليقات