📁 منوعات

الشخص بين الضرورة والحرية

المقدمة:

إن الإنسان كائن اجتماعي بالضرورة؛ إذ لا وجود له إلا ضمن مجتمع ينتمي إليه، يرتبط أفراده في إطار نسق من العلاقات المتبادلة والثقافة المشتركة. ويطبع كل مجتمع سلوكات أفراده ومواقفهم وعاداتهم وتفكيرهم، باعتباره نموذجاً وأساساً لكل سلطة كما يقول دوركايم. وإن كانت بعض فلسفات الوعي قد جعلت من الذات سيدة نفسها وأفعالها، فإن هناك توجهات فلسفية وعلمية أخرى كشفت على أن "الأنا" ليس سيد نفسه وأفعاله ولو في عقر داره.

إشكالات المحور

ما هي الدلالة التي تحملها مفاهيم الشخص والحرية والضرورة؟

  • ❓ هل الشخص ذات حرة...؟ أم أنه كائن خاضع لمجموعة من الإكراهات والضرورات...؟
  • ❓ وإذا كان الشخص حراً، فهل هذه الحرية مطلقة أم نسبية؟ وإذا كان خاضعاً للضرورة، فما هي الضرورات التي تحكمه وتحد من حريته؟

📚 المفاهيم الأساسية

الشخص

يشير إلى الذات الإنسانية بما هي ذات واعية ومفكرة من جهة، وذات حرة ومسؤولة من جهة أخرى. فهو الكيان الذي يمتلك الوعي والشعور والرغبة والقدرة على التفكير واتخاذ القرارات الحرة. ويتميز بالذاتية والهوية الفردية، وله قيمة يسمو بها عن باقي الكائنات الأخرى.

الحرية

هي قدرة الذات على تقرير مصيرها واختيار أفعالها بعيداً عن أي إكراهات أو حتميات داخلية أو خارجية.

الضرورة

مفهوم مضاد للحرية، يشير إلى أن أفعال الشخص وسلوكاته محكومة بأسباب وعلل سابقة أو خارجية لا يمكنه التحكم فيها (كالحتميات البيولوجية، النفسية، أو الاجتماعية).

🧠 سيغموند فرويد: الشخص ليس حراً (حتمية اللاشعور)

يرى سيغموند فرويد أن الشخص ليس حراً في جوهره، بل هو خاضع للحتميات السيكولوجية والبيولوجية اللاواعية.

  • الأساس: اللاشعور والصراع النفسي بين مكونات الجهاز النفسي (الهو، الأنا، الأنا الأعلى).
  • الموقف: يؤكد فرويد أن "الأنا مضطرة لخدمة ثلاثة من الأسياد الأقوياء"، وهم الهو (الغرائز)، والأنا الأعلى (القيم الأخلاقية)، وضغوط الواقع الاجتماعي. هذه المطالب المتناقضة تجعل التوفيق بينها مهمة صعبة.
  • النتيجة: لا يمكن اعتبار الشخص سيد نفسه وأفعاله، لأن سلوكه ورغباته وميوله يوجهها اللاشعور والمحددات البيولوجية والسيكولوجية.
  • الخلاصة: الحرية منفية، والشخص خاضع لحتميات سيكولوجية وداخلية (اللاشعور).

🔭 باروخ سبينوزا: الحرية وعي بالضرورة (الحتمية الطبيعية)

ينتقد باروخ سبينوزا التصور الذي يعتبر الإنسان حراً في اختياراته وفاعلاً وفق مشيئته وإرادته، ويؤكد على الحتمية الكونية.

  • الأساس: الحتمية الكونية (قوانين الطبيعة) وأن كل شيء في الوجود يخضع لعلل وأسباب.
  • الموقف: الاعتقاد بوجود حرية الإرادة هو جهل بالأسباب الطبيعية التي تحدد فعل الشخص وحركته. فالشعور بالحرية هو مجرد وهم، ناتج عن وعي الإنسان بأفعاله، وجهله بأسبابها الحقيقية.
  • النتيجة: حرية الإنسان لا تنفصل عن امتثاله للضرورة، سواء كانت صادرة عن طبيعته الذاتية أو آتية من طبيعة العالم الخارجي. أن يكون الشخص حراً، معناه أن يكون واعياً ومدركاً لوجوده ورغباته كـ نتائج طبيعية لعلل وأسباب مختلفة.
  • الخلاصة: الحرية مشروطة (نسبية)، وتتمثل في الوعي وإدراك الشروط الضرورية وراء الأفعال والحركة والاختيار.

💡 جون بول سارتر: الوجود يسبق الماهية (الحرية المطلقة)

تدافع الفلسفة الوجودية من خلال جون بول سارتر عن الحرية المطلقة للإنسان، رافضةً التصورات التي تقيد حريته بالظروف والمحددات الوراثية أو الاجتماعية أو الاقتصادية.

  • الأساس: الوجود يسبق الماهية، والذات الحرة والمسؤولة.
  • الموقف: لا وجود لضرورة تُلزم الشخص بحتميتها وإكراهاتها. الإنسان هو مشروع مفتوح، وقدرته على الاختيار هي ما تحدد ماهيته. وهذا ما ذهب إليه سارتر في كتابه الوجودية فلسفة إنسانية بقوله: **"الإنسان لا يكون إلا بحسب ما ينويه وما يشرع في فعله"**.
  • النتيجة: يمكن اعتبار تصور سارتر تعبيراً عن التصورات التي تُعلي من شأن الشخص، وتجعل منه كائناً متحرراً من كل ضرورة، ومتميزاً كوجود ذاتي قادر على الاختيار وتحمل المسؤولية بشكل مطلق.
  • الخلاصة: الحرية مطلقة، وجوهرية، والشخص مسؤول عن وجوده بالكامل.

خلاصة المحور (التركيب)

 إن هذا المحور يكشف عن تباين جذري في تحديد وضعية الشخص:

👥 التصور الحتمي (فرويد وسبينوزا)

يُنظر إلى الإنسان كـ كائن خاضع لمجموعة من الحتميات والإكراهات تشرطه كلياً، حيث فكره وأفعاله وسلوكه هي نتاج لقوانين الكون (الفيزيائية)، ولقوانين الجماعة (المجتمع)، ولقوانين الفكر الرمزي (الثقافة).

ومن جهة ثانية، التصور الوجودي (سارتر)

يُنظر إلى الإنسان كـ ذات حرة في جوهرها، فهو مشروع منفتح على مجموعة من الإمكانيات، ولهذا فهو مسؤول عما هو عليه انطلاقاً من مبدأ وجوده يسبق ماهيته.

🎓 إعداد وتصميم: ذ. الرامي عبد الغاني