recent
أخبار ساخنة

المحور الأول: الحق بين الطبيعي والوضعي

الحق بين الطبيعي والوضعي

في سياق الانشغال الفلسفي بمفهوم الحق كخاصية إنسانية، أثيرت مسألة الأساس الذي يقوم عليه هذا المفهوم، بهدف توفير الشرعية اللازمة للتشريعات والقوانين التي تنظم المجتمع البشري، ومن هنا يمكننا اختزال تأسيس الحق في مبدأين أساسيين، أحدهما طبيعي والآخر وضعي، عندما نقول إن الحق مبني على الطبيعة يعني أن الشخص يولد وهو مزود بطبيعته بمجموعة من الحقوق، التي يشاركها بالتساوي مع أعضاء الجنس البشري، والتي يشاركها أيضا مع باقي الكائنات أخرى، كالحق في الحياة. وعندما نقول إن أساسها وضعي، في هذه الحالة تتحول الحقوق الطبيعية المختلفة إلى حقوق ثقافية مدنية، يحددها القانون كسلطة عليا.

إشكال المحور

على أي أساس يقوم الحق...؟ هل ينبني الحق على أساس طبيعي أم على أساس وضعي وقانوني...؟

الحق الطبيعي: توماس هوبز

الحياة البشرية في نظره تميزت بالأنانية قبل قيام الدولة، فالإنسان يعمل باستمرار وبكل الوسائل لتحقيق مصالحه الشخصية. والشر ميل طبيعي فيه وهذا ما ذهب إليه "هوبز" عندما قوله "إن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان" فهو مجبول على العدوان والشر، ميال بطبعه إلى استعمال القوة، وبذلك يبقى الضعفاء على الدوام، ضحية "قانون الغاب" يعيشون تحت رحمة الأقوى. وهذا يعني أن حالة الطبيعة، تميزت بالفوضى والعنف "حرب الكل ضد الكل". مما أدى إلى استحالة تأسيس حياة اجتماعية تقوم على تعاون الأفراد، أو إقامة واستقرار الدولة. وفي مواجهة هذه الحالة التي تؤدي إلى تهديد وجوده وبقائه، أدرك الإنسان على وجوب بناء حياة جديدة وتشكيل مجتمع سياسي يضع حدا للحروب بين الأفراد، عبر تعاقد وتنازل هؤلاء الافراد عن جميع حقوقهم لشخص واحد، فيتمتع هذا الشخص (الحاكم) بسلطة مطلقة من أجل تأمين سلامتهم وممتلكاتهم الشخصية وحقوقهم المختلفة في ظل نظام اجتماعي(الدولة).

الحق الطبيعي: جان جاك روسو

ولعل نظرية العقد الاجتماعي، كأساس لظهور الدولة، وجدت في "جان جاك روسو" أكبر ممثل لها عن حق، وما يؤكد ذلك أنه كتب كتابًا حول هذا الموضوع تحت عنوان "العقد الاجتماعي". يوضح فيه على أن الشخص في حالة الطبيعة كان حراً وسعيدا قبل قيام الدولة. ولكن عندما رأى الانسان أن العديد من العوائق حالت دون استمرار الحياة الطبيعية، بسبب الاصطدام والصراع بين الناس، نتيجة لتعدد وتعارض مصالحهم، سعى عمدًا ووعيًا منه لبناء حياة وشكل اجتماعيين جديدين. مجتمع سياسي تحافظ فيه الدولة على حقوق الأفراد. إذن مصدر السلطة وأساس الحق هو العقد الاجتماعي، لكنه ليس عقدًا قائمًا على القوة والسلطة المطلقة، كما هو الحال مع هوبز، بل هو عقد قائم على المشاركة والتعاون. فالرفد لا يتنازل لشخص معين كما هو عند "هوبز" و "لوك"، ولكنه يتنازل للمجموعة، أي الدولة التي تمثل الناس وتجسد إرادتهم.

الحق الوضعي القانوني: هانز كيلس

انتقدت "هانز كيلسن" المفاهيم الطبيعية لأنها تستند في تصورها للحق على مجرد افتراضات للطبيعة البشرية والتي لا يمكن إثباتها، فالحق في نظره ظهر نتيجة مشاكل أو مواقف سلبية مضطربة يعيشها الناس وتعيق مسار حياتهم. فليس هناك حق سوى الحق الوضعي، والذي يتم تحديده من اعتبارات واقعية. وهذا ما يضفي على الحق "النسبية والتغيير"، ويجعل من المستحيل الحديث عنه خارج إطار المؤسسات التي تفرضه في الواقع. كما يؤكد على وجود اختلافات نفسية واجتماعية وثقافية بين الناس، وهو ما ينعكس على تصورهم لأساس الحقيقية، فالحق عند "هانز كيلسن" لا يستمد قوته ومصدره إلا من القوانين التي تصوغه وتتطلب تنفيذه. فلا يوجد حق أو عدالة خارج القانون الوضعي الذي يوفر القوة اللازمة لتحويل الحق إلى واقع حي باستخدام المؤسسات التنفيذية والقضائية.

خلاصة المحور

يتبين مما سبق أن أساس الحق يختلف باختلاف المنطلقات الفكرية وتباين الغايات التي تحكمها، فهناك من ارتأى ضرورة تأسيس الحق على القوة، قوة الحاكم الذي يفرض نفسه على الجميع، ويتنازل له الأفراد عن حرياتهم الطبيعية (هوبز). بينما دعا البعض الأخر إلى ضرورة تأسيس الحق على التعاقد، أي القواعد والقوانين والتشريعات التي تحدد حياة الناس، وتضمن أمنهم وسلامتهم واستقرارهم (روسو). بينما (كلسن) يدعو إلى النظر في ظهور الحق (القانون / التشريعات) كنتيجة لمشاكل مضطربة أو مواقف سلبية يعيش فيها الناس وتعيق مسار حياتهم.
google-playkhamsatmostaqltradent