recent
أخبار ساخنة

المحور الثالث: معايير علمية النظريات العلمية

معايير علمية النظريات العلمية

العلاقة التي تربط النظرية بالتجربة علاقة جدلية "تأثير وتأثير" تؤثر النظرية على التجربة من خلال تأطيرها وتوجيهها عندما تحدد عناصرها وتفاعلاتها، وتؤثر التجربة على النظرية، بتصحيحها، عندما تكتشف الأخطاء التي تحتويها، وبالتالي تتقدم النظرية، وهذا ما يجعل المعرفة العلمية معرفة متطورة، وذلك من خلال هذا الجدل بين النظرية والتجربة.

اشكال المحور

ما هي المعايير التي تجعل من نظرية ما علمية...؟ هل في ارتباطها بالتجربة...؟ أم في تعدد اختباراتها...؟ أم في قابليتها للتكذيب والتفنيد...؟

روني طوم: القابلية للتجريب

يرى ان الواقعة التجريبية لا يمكن أن تكون علمية إلا إذا استوفت شرطين: أولهما، أن تكون قابلة لإعادة الصنع، وهذا يتطلب أن تكون محاضر إعداد التجربة وإجرائها دقيقة بما يكفي للتمكن من إعادتها في أزمنة وأمكنة مختلفة. ثانيهما، إثارة اهتمام نظري أو تطبيقي، ونقصد بالاهتمام النظري أن كون هذا البحث يدخل ضمن مشكلة أو إشكالية علمية قائمة، في حين نقصد بالاهتمام التطبيقي أن يكون هذا البحث يستجيب للحاجات البشرية. في هذه الحالة يكون الهدف من التجريب هو التحقق من صدق فرضية ما "نظرية" تتضمن قضايا عقلية يتم التسليم بوجودها، كالعلاقات السببية، أي الربط بين السبب والنتيجة.

بيير تويلي: تعدد الاختبارات

ينتقد معيار التحقق التجريبي للحكم على علمية نظرية ما، فالتحقق التجريبي في نظره لا يعطي دلائل قطعية، أي لا توجد تجربة حاسمة ونهائية، إذ تظل نتائج هذا التحقق التجريبي جزئية وقابلة دائما للمراجعة. لهذا يدعوا العالم لكي يحقق علمية نظريته، إلى استبدال معيار التحقق التجريبي بمعيار "تعدد الاختبارات" أي القيام باختبارات متعددة للنظرية الواحدة، وإخضاعها للفحص عدة مرات للتأكد من نتائجها والمقارنة بينها في كل مرة. لكي تحافظ من جهة، على تماسكها المنطقي الداخلي، ومن جهة أخرى، كي تخرج من عزلتها التجريبية، أي عدم انغلاقها على ذاتها كحقيقة تدعي اليقين المطلق، وذلك بانفتاحها على فروض نظرية جديدة. إذن، يمكن القول ان تعدد الاختبارات هو معيار عملية النظرية وعلامة قوتها.

كار بوبر: القابلية للتكذيب والتفنيد

يشبه النظرية بالآلة الميكانيكية، فكل آلة لا تسمح بالبحث عن مكامن الخطأ فيها، ولا تقبل تفكيكها، لا يمكن اعتبارها صحيحة، وكل آلة لا يمكن تكذيبها، أي اختبارها، لا يمكن اعتبارها تجريبية. وبالتالي لا يمكن أن نقول عن نظرية ما انها علمية إلا إذا كانت قابلة للتنفيذ والتكذيب. إن النظرية العلمية التجريبية، هي التي تستطيع ان تكون قادرة على تقديم الاحتمالات الممكنة التي تفند بها ذاتها، وتبرز نقط ضعفها، وتخضع، بصفة قبلية، فروضها لمعيار القابلية للتفنيد أو التكذيب. ومعنى هذا، أنه يمكن اختبارها بشكل دائم من أجل تجاوز العيوب الكامنة فيها. ومن هنا يؤكد على أن معيار صدق وصلاحية النظرية العلمية، يتجلى في قابليتها للتكذيب أو للتفنيد. وكلما ضعفت الاحتمالات والتنبؤات التي يمكن أن تفند النظرية، كلما كانت النظرية خارج مجال العلم التجريبي.

خلاصة المحور

يكشف لنا التأمل في تاريخ مفاهيم النظرية والتجربة بالرغم من إدراكنا لبعض علاقات التوتر والصراع بينهما. عن نوع من التداخل والتكامل بينهما، فكلاهما يشكل النظرية العلمية التجريبية. فلا وجود لنظرية علمية عقلية خالصة، ولا وجود لتجربة مستقلة عن العقل. وقد ساهم الحوار بين النظرية والتجربة في العلم، إلى إعادة صياغة مفاهيم فلسفية وعلمية أساسية "العقل، الواقع، الذات، الموضوع، الخطأ، الكذب، واليقين..."

google-playkhamsatmostaqltradent