recent
أخبار ساخنة

المحور الثاني: العدالة كأساس للحق

العدالة كأساس للحق

إن ما يعطي المشروعية للدولة المدنية هي كونها دولة الحق والقانون، ويقتضي هذا، أن يكون جميع الناس سواسية أمام القانون، وأن تُضمن حقوقهم بكيفية عادلة. لهذا تعرف لنا "جاكلين روس" دولة الحق على أنها دولة فيها حق وفي قانون يخضعان معا إلى مبدأ احترام الشخص، وهي صيغة قانونية تضمن الحريات الفردية وتتمسك بالكرامة الانسانية وذلك ضد كل أنواع العنف والقوة والتخويف. فدولة الحق تؤدي إلى ممارسة معقلنة لسلطة الدولة، ممارسة تتشبث بالقانون وباحترام الحريات. 

اشكال المحور

ما هو الأساس الذي تقوم عليه العدالة...؟ وهل يمكن اعتبار العدالة أساس للحق...؟ 

 باروخ اسبينوزا 

ان الغاية من الدولة الديموقراطية حسب "اسبينوزا" هو تخليص الناس من سيطرة الشهوة العمياء، وتحقيق الأمن والسلام للأفراد من خلال الاحتكام للقوانين التي وضعها وشرعها العقل وتم التعاقد عليها، وهكذا، يتم التغلب على قوانين الطبيعة التي تحكمها الشهوة والغريزة، وتقوم على القوة الفردية، مما يؤدي إلى انتشار الفوضى والظلم والصراع. لهذا يؤكد على أنه لا يمكن تطبيق العدالة في المجتمع إلا باحترام القانون. فالقانون المدني الذي تجسده الدولة كسلطة عليا هو قانون من وضع العقل وتشريعه، لذلك يجب على الأفراد الامتثال والخضوع له حفاظا على حرياتهم وحقوقهم، والدولة أيضا لا يمكنها ان تنتهك القانون، باعتبارها هي العدل، والضامن لاستمرارية العدالة، وهذه الأخيرة لا تتحقق إلى من خلال إعطاء كل ذي حق حقه وفقا للقانون، فلا وجود لعدالة خارج الحق الذي تضمنه قوانين الدولة. 

أفلاطون 

لا يؤمن بالمفهوم الديمقراطي للعدالة، ولكن يؤمن بوجود لا مساواة طبيعية بين البشر، فالناس يوجد بينهم بالفطرة والطبيعة تفاوت وتمايز سواء من حيث القدرات الجسمية أو العقلية. لهذا يقسم أفراد المجتمع إلى ثلاث فئات (حكام، جنود، وحرفيون). فمن زودته الطبيعة بالمهارات والقدرات اللازمة ليكون حرفيًا، ليس لديه خيار سوى أن يكون حرفيا، وينجز ما هيئ له من المهن والصنائع. اما المحارب فقد هيأته الطبيعة ليكون شجاعا وقادرا على حمل السلاح في وجه كل ما من شأنه أنه يهدد حياة الجماعة. اما الحاكم فقد وجد ليكون كذلك، وما عليه سوى أن يتجه لتدبير شؤون الناس بالحكمة والعدل. وهذا ما ذهب اليه أفلاطون بقوله "كل فرد يؤدي وظيفة واحدة في المجتمع، وهي ما منحته الطبيعة القدرات الأفضل على أدائها". وبهذا المعنى، لا تتحقق العدالة إلا من خلال إسناد كل وظيفة من وظائف الدولة إلى الفئة المناسبة وفقًا لما هو مُعد لها.

 شيشرون 

يرى أن فكرة تأسيس العدالة على القانون إنما هي فكرة عبثية، فالمؤسسات والقوانين لا يمكن أن تكون أساسا للحق، ومبرر ذلك أن القوانين يمكن أن تكون ظالمة في حد ذاتها، يضعها الطغاة والمستعمرون لخدمة مصالحهم الخاصة، بالإضافة إلى ذلك فإن القوانين يمكن أن تظل حبرا على ورق ولا يتم تطبيقها. ولذلك يجب تأسيس الحق والعدالة تأسيسا عقليا، ويقول في هذا الصدد "لن توجد عدالة ما لم توجد طبيعة صانعة للعدالة" والمقصود بذلك الطبيعة الأخلاقية أو الفطرة السليمة، وهذا يجعل الشخص قادرًا على التمييز بين الخير والشر والتصرف على أساس هذا التمييز. أي أن الحق يؤسسه قانون قائم على قواعد العقل السليم الذي يضفي الشرعية على ما يجب القيام به وما يجب تجنبه. هكذا يبدو أن شيشرون يؤسس الحق تأسيسا عقليا وأخلاقيا، لأن الغاية ليست خدمة مصالح شخصية، بل التطلع إلى النموذج الإنساني الفاضل المبني على الحب والاحترام والتقدير. 

خلاصة المحور 

نستنتج من خلال كل ما سبق أن العدالة غاية كل نظام حقوقي. لذلك يجب على الأفراد الامتثال والخضوع للقانون حفاظا على حرياتهم وحقوقهم كما يعبر عن ذلك "سبينوزا"، في حين يذهب "أفلاطون" بعيدا حينما يؤكد على أن العدالة لا تتحقق إلا بإسناد كل واحدة من وظائف الدولة إلى الفئة المناسبة لها حسب ما هي مهيأة له. بينما "شيشرون" على العكس من ذلك تماما، حيث يرى أن العدالة لا تتأسس على المنفعة، لأن المنفعة تتغير من شخص لآخر، وإنما تتأسس على الطبيعة أي على العقل الفطري السليم.



google-playkhamsatmostaqltradent