recent
أخبار ساخنة

المحور الثالث: الدولة بين الحق والعنف

الدولة بين الحق والعنف

يمثل العنف العدو المعلن لكل دولة. فلا توجد دولة في الماضي أو الحاضر إلا ورفعت شعار إقامة الأمن والنظام والعدالة والحق، والحديث عن الدولة بين الحق والعنف في الأصل، هو الحديث عن العلاقة بين الدولة كمجموعة من الأجهزة والمؤسسات منظمة للمجتمع، وبين الأفراد الخاضعين لقوانينها. إذا كانت هذه العلاقة قائمة على احترام المبادئ الأخلاقية والقوانين المتعاقد عليها، فإن ممارسة الدولة في هذه الحالة هي ممارسة مشروعة "دولة الحق"، أما إذا كانت هذه العلاقة مبنية على أسس القوة والعنف وسلب الحريات الفردية والجماعية فهي "دولة مستبدة".


إشكال المحور

هل للدولة الحق في ممارسة العنف...؟ وهل يمكن اعتباره وسيلة لأجل الحفاظ على الأمن أم لبسط سيطرة الدولة لإرادتها...؟

مكيافيلي: السياسة صراع

يؤكد على وجود طريقتين للحكم، الأولى تستعمل القوانين وهي تخص الإنسان، والثانية تستعمل القوة وهو تخص الحيوان. ويشير على أن الصنف الأول لا يكفي في أغلب الأحيان، وهذا ما ذهب اليه في قوله "فجدير بنا اللجوء إلى استعمال الطريقة الثانية، وهكذا، فمن واجب الأمير أن يجيد استعمال وسائل الحيوان والإنسان" كتاب الأمير. وطالما أنه من الضروري أن يستخدم الأمير طبيعة الحيوان، يجب عليه محاكاة طبيعة الثعلب والأسد، لأن الأسد لا يستطيع الهروب من الفخاخ، ولا يستطيع الثعلب الهروب من الذئاب، لذا وجب على الأمير أن يكون ثعلب لمعرفة الفخاخ وأسد لترويع الذئاب. وليس بالضروري أن يكون لدى الأمير كل الخصائص المذكورة أعلاه، ولكن من الضروري أن يتظاهر بأنه يمتلكها. وختاما، يجب على الأمير، في رأيه، استخدام جميع الوسائل الممكنة للحفاظ على السلطة، سواء كانت شرعية أو غير قانونية، ويستند هذا الموقف على مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة".

ابن خلدون: السياسة اعتدال

يعتقد ابن خلدون أن السلطة السياسية يجب أن تتأسس على الرفق والاعتدال والحكمة. فالرعية لا يمكنها الاستغناء عن السلطان، والسلطان بدوره لا يمكنه الاستغناء عن الرعية. فهذه الأخيرة لا يهمها صفات الحاكم الجسمية أو قدراته العقلية والفكرية، بقدر ما تهتم بالتأثير الذي يمكن أن يكون للحاكم على حياتهم اليومية والمعيشية. فكلما كان الحكم مبنيًا على الاستبداد والقوة والقهر، كلما أصبحت الرعية تعيش في الخوف والذل، وبالتالي فساد أخلاقهم، وعليه، ينبغي أن يتوقع الحاكم انقلاب رعيته أو تركهم له عند الحاجة إليهم. وفي المقابل، إذا كان الحاكم رفيقا ورحيما بالرعية، فإنهم يطمئنون له، ويكسب بذلك محبتهم واحترامهم، ويجدهم عون له في أوقات الحروب والمحن. ولهذا فالسلطة السياسية ترتكز على التوسط والاعتدال، على توسط الحاكم واعتداله في تعامله مع رعيته.

ماكس فيبر: العنف المشروع

إن العنف هو الوسيلة الوحيدة الخاصة بالدولة، سواء كانت هذه الأخيرة تقليدية أو حديثة، ديمقراطية أو مستبدة. فالعنف مشروع ولا يحق لأي فرد أو جماعة ممارسته ما لم تسمح الدولة بذلك. وبالتالي فهي وحدها من يحق لها ممارسته. فكل دولة تقوم على العنف، واختفاء العنف هو اختفاء للدولة. لذلك يرى أنه إذا وجدت تجمعات بشرية لا تعرف العنف، فهذا يعني أنه لا يمكن الحديث عن وجود الدولة، كهيئة تحكم هذه التجمعات السياسية. وما سيبقى في حالة اختفاء العنف هو الفوضى بين مختلف مكونات البناء الاجتماعي، بالنظر إلى اختفاء القوة العنيفة القادرة على القضاء على هذه الفوضى. وهكذا، فإن الدولة لا وجود لها إلا بالعنف وهي لا تقبل التعريف إلا به، وهو أسلوبها الخاص والمميز لممارسة السلطة.

خلاصة المحور

في نهاية المحور، نجد ان هناك من ارتأى أن العنف وسيلة للردع والحفاظ على الأمن، حيث نجد في هذا الباب "ماكيافيلي" الذي يدعو الأمير إلى القوة والمكر والصراع، واستخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق مصلحة الدولة، بينما نجد أن العنف حسب التصور السوسيولوجي "ماكس فيبر" هو عنف مشروع، من اجل الحفاظ على السلطة، لكن ليس من اجل الإبادة الجماعية وتجاوز كرامة الإنسان. في حين "ابن خلدون" يدعو السلطان إلى التشبث بمكارم الأخلاق، المتمثلة أساسا في الرفق والاعتدال.

google-playkhamsatmostaqltradent