recent
أخبار ساخنة

المحور الثالث: العدالة بين الانصاف والمساواة

المحور الثالث: العدالة بين الإنصاف والمساواة

العدالة، كلمة تشير عند عموم الناس إلى الالتزام بالقوانين والخضوع لها والدفاع عنها، وهذا يدل على أنها تشمل وجود المساواة، الانصاف، وأسبقية المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. فالعدالة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمساواة، كما ترتبط هذه الأخيرة (المساواة) دائمًا بفكرة الحق. كما أن العدالة مرتبطة بالإنصاف، لكونه الحكم العادل الذي يحترم روح القوانين. ونعتها بالإنصاف منعناه منح الجميع ما يستحقونه، وفقًا لمبدأ تكافؤ الفرص. وهكذا تظهر لنا العدالة كقيمة أخلاقية عليا، تتجاوز جميع الاعتبارات القانونية والاجتماعية طالما أنها تتجسد في أفعالنا وأفكارنا وكلماتنا.

 

إشكال المحور

هل تتحقق العدالة بمساواة الناس أمام القوانين أم بإنصاف كل شخص حسب تميزه واختلافه عن الآخرين...؟

آلان (إميل شارتيي)

يدافع عن المساواة التامة بين الناس رغم اختلافاتهم وتنوعاتهم العمرية والجنسية والعرقية والمعرفية... فلا حديث عن الحق أو عن العدالة أو القوانين إلا في سياق المساواة الكاملة بين الناس. يقول آلان "يقولون قولا بئيسا، أولئك الذين يقولون إن عدم المساواة من طبيعة الأشياء". في حالات البيع والشراء، على سبيل المثال، السعر العادل هو السعر المعلن داخل السوق، مما يجعل الناس متساوين، وبالتالي لا يمكن إغفال أحد، في حين يعتبر السعر غير المعلن غير عادل، لأنه سعر يعيق التكافؤ بين الطرفين. كأن يعرف أحدهم قيمة وسعر المنتج والأخر لا معرفة له. وبالتالي، لا تتحقق المساواة ما لم يقدم البائعون نفس السلعة وثمن محدد. وهكذا، لا حديث عن العدالة والحق في غياب المساواة.

جون راولز

في كتابه "نظرية العدل" يعتقد جون راولز أن المساواة ليست بكافية لتحقيق العدالة، فالنظام العادل هو من يقوم على مبادئ المساواة وعدم المساواة معًا. وإذ يشدد على أن العدالة تقوم على مبدأ الإنصاف، وهي قاعدة تتطلب، من جهة، الحق في استفادة جميع الأفراد على قدم المساواة من نفس الحقوق الأساسية، ومن ناحية أخرى، القبول عقليا باللامساواة الاجتماعية، ومعنى هذه الكلمات، عدم وضع العوائق أمام أولئك الذين سُمح لهم بمواهبهم وظروف تنشئتهم الاجتماعية الوصول إلى أعلى المراتب الاقتصادية والاجتماعية (الثروة والسلطة). شريطة أن يتم منح أولئك الذين هم أقل منهم أيضًا، في إطار من التعاون الجماعي الطوعي والإرادي، الوصول إلى نفس الرتب وتقاسم الثروة، وفقًا لمبدأ تكافؤ الفرص. العدالة تقوم على الانصاف وفقا لجون راولز. وهي تقوم على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات وعلى مبدأ الإنصاف في الثروة والسلطة.

أرسطو

يعتبر "أرسطو" أن الانسان المنصف أفضل من الانسان العادل، وتستند هذه المفاضلة، إلى قاعدة أن كل أن كل منصف عادل ولكن ليس كل عادل منصف. لهذا يميز بين مفهومين للعدالة (العام والخاص). فالعدالة بالمعنى العام تعني الخضوع للقوانين والضمير الأخلاقي، من أجل الحفاظ على المصلحة العامة، وعليهن فالعدالة مرادفة للفضيلة. أما العدالة بمعناها الخاص فيعني المساواة. في هذه الحالة، تسمى العدالة بالإنصاف، وعندما تصبح العدالة انصافا، نجد أنفسنا أمام نوعين من العادلة، عدالة التوزيع، أي توزيع الخيرات والثروات على أفراد المجتمع بحسب طاقاتهم وأفعالهم. والعدالة التعويضية، التي تنظم المعاملات بين أفراد المجتمع على أساس القوانين والأعراف. فهي العدالة التي تعاقب المجرم وتعوض الضحايا من تطبيق القانون. وهكذا فالعدالة، من وجهة نظر أرسطو، ليست هي المساواة فحسب، بل هي الإنصاف أيضًا.

خلاصة المحور

نختم هذا المحور بالتأكيد على أنه لا حديث عن العدالة والحق في غياب المساواة الكاملة بين الناس (آلان)، بل هي كذلك انصاف، لأجل تصحيح ما يلحق العدالة من أخطاء القوانين والأعراف (أرسطو)، وهي لا يعني التطبيق الحرفي للقوانين بطريقة تضمن المساواة للأفراد في الحقوق والواجبات، بل يعني أيضًا تبني روح القانون وتكييفها مع الحالات الخاصة. وبالتالي، إفساح المجال للأشخاص ذوي المواهب والمؤهلات العقلية والبدنية والنفسية للحصول على ما يستحقونه اقتصاديًا واجتماعيًا(راولز).



google-playkhamsatmostaqltradent