recent
أخبار ساخنة

المحور الأول: الحقيقة والرأي

الحقيقة والرأي

عندما نستقرئ مختلف أشكال الفكر والخطاب (القول) البشريين، فإننا نستطيع أن نخلص الى القول بأن الانسان إنما يفكر ويتكلم من أجل الحقيقة وعلى أساسها، فالحقيقة غاية كل تفكير وكل خطاب. ذلك لأن الانسان حتى حينما يبتعد عن الحقيقة (يكذب، يخطئ، يتوهم...الخ) فإنما يدل بذلك على أن الحقيقة هي المستهدفة، أو كان يجب ان تكون مستهدفة، ثم إن التفكير في الحقيقة أو قولها وتبليغها يشترط وجود نموذج أو معيار للفكر الحق والقول الصادق.


إشكال المحور

هل يمكن هدم الرأي ام انه أساسي لبناء الحقيقة...؟ هل يمكن بناء الحقيقة على أساس الأحكام المسبقة "الآراء" أم يجب تجاوزها...؟

غاستون باشلار

يؤكد على وجود تعارض بين الحقيقة والرأي، فالحقيقة تبدو هشة كلما ابتعدت عن العقل، والرأي يمنع الوصول إلى المعرفة العلمية الصحيحة، وبالتالي يجب التغلب على الرأي والعمل على تدميره، باعتباره غير قابل للتبرير النظري العلمي، ولأنه يعتمد فقط على التلقائية والعفوية في التعامل مع الأمور، يقول باشلار "الرأي هو تفكير سيئ، بل لا يفكر على الإطلاق، إنه يترجم فقط الاحتياجات إلى المعرفة، ومنه لا شيء يمكن أن يستند إلى الرأي، بل يجب تدميره". في حين، أن الفكر العلمي يتعامل فقط مع القضايا التي يمكن أن يثبتها، كما يطرح فقط الأسئلة التي يمكنه الإجابة عليها، وهذا ما يجعل الحقيقة العلمية قائمة أساسا على القواعد والأساليب العلمية.
ونختم بقولة باشلار: "الرأي يتعامل مع القضايا من حيث فائدتها ومنفعتها وبالتالي يحرم عل نفسه معرقتها معرفة حقيقية، لهذا فهو في مجال المعرفة العلمية يعتبر أول عائق وعقبة يجب التغلب عليه".

بليز باسكال

العقل وحده عاجز وغير كاف ولا يمكن اعتباره المصدر الوحيد لبناء الحقيقة واحتكارها، ولكن هناك مصادر أخرى تساهم في تحقيقها وبنائها، فهي تحتاج إلى القلب والإيمان والعواطف والآراء الخاصة ... فالمعرفة العلمية الحقيقية لا تُعطى، ولكن يتم بناؤها باستمرار، فهناك حقائق نصل إليها من خلال العقل، واخرى من خلال القلب. لذلك، من السخرية أن يطلب العقل من القلب أن يثبت مبادئه الأولى، حتى يتوافق معها. ومن السخرية أيضًا أن يطلب القلب من العقل أن يشعر بكل القضايا التي يثبتها، حتى يتمكن من تلقيها منه. وهكذا يمكن القول أن لكل إنسان رأيه الخاص، وهو مقتنع ومتمسك به، لأن مصدره الإيمان والقلب والوجدان، وبالتالي يصعب هدم الرأي لأن في هدمه تستعبد المعرفة التاريخية والثقافية والدينية...

رنيه ديكارت

يدعو ديكارت إلى نقد ومراجعة المعارف المكتسبة. والشك في كل الآراء التي اعتبرها صحيحة وصادقة. وإعادة بناء المعرفة على أسس عقلية جديدة قوية ومتينة. في هذا الصدد نجده يقول في كتابه مقالة في المنهج "من الأولى عدم البحث عن الحقيقة بصدد أي شيء كان بدل البحث عنها بدون منهج"، ويقصد ديكارت هنا بالمنهج مجموع القواعد العقلية المعتمدة في البحث العلمي والمؤدية إلى الحقيقة والمتجاوزة للرأي الذي يشكل عائقا أمام قيام معرفة حقيقية، لذا وجب هدمه وتجاوزه. وبالتالي وجب حسب ديكارت اعتماد خطة الشك المنهجي في كل الآراء والمعتقدات الشائعة، لكونها دائما خادعة وقابلة للشك ما لم يتم مراجعتها عبر عمل عقلي ومنهجي لبلوغ الحقيقة اليقينية الواضحة والمميزة.

خلاصة المحور

إذا كانت التصورات العقلانية (ديكارت، باشلار) تعتمد على العقل وتستبعد الحواس من أجل بناء الحقيقة، هناك من يرى أن الرأي أساسي للبناء الحقيقي (بليز باسكال)، فلكل شخص حقيقته الخاصة التي يجب احترامها، لذلك فهو يبدأ من الإيمان أو القلب لتأكيد هذه الحقيقة أو تلك.

google-playkhamsatmostaqltradent