recent
أخبار ساخنة

المحور الأول: التجربة والتجريب

التجربة والتجريب

حاول العلم الطبيعي منذ بدايته تأسيس نظريات تخرج عن التأمل الفلسفي بالاعتماد على البيانات المادية والحقائق التجريبية. ولكن مع ظهور الفيزياء المعاصرة، ظهر نوع جديد من التفكير الفلسفي "الأبستمولوجيا". واستند على مجموعة من المفاهيم المتعلقة بالمجال العلمي، وعلى رأسها "النظرية والتجربة" التي تثير العديد من القضايا، سواء على مستوى النظري أو المستوى التجريبي، أو على مستوى العلاقة القائمة فيما بينها. بالإضافة إلى تعدد المعايير لتمييز النظرية العلمية عن الأنواع الأخرى من النظريات.

إشكال المحور

ما هو أساس المعرفة العليمة...؟ هل هو التجربة أم العقل...؟ وبشكل أدق لمن الأولوية في تحقيق معرفة علمية هل الملاحظة المختبرية أم الفرضية...؟

موقف كلود برنار

يُلخص كلود برنار مراحل وخطوات وشروط المنهج التجريبي في عبارته: "الحادث يــوحي بالــفكرة، والـــفكرة تـقود إلى التجربة وتـوجهها، والتجربة تحــكم بدورها على الـــفكرة..." ومن هنا فالملاحظة هي الخطوة الأولى التي يتعرف العالم من خلالها على الظاهرة للإحاطة بمكوناتها، وقد يتم ذلك بالعين المجردة أو الأجهزة التقنية. ويتبع ذلك صياغة الفرضية لشرح الظاهرة استعدادا لعملية التجريب، والتي يتم تحديد وظيفتها في التأكد من صحة الفرضية. وغالبا ما يكون التجريب مختبرا، حيث يتم إعادة تأسيس وإحداث الظاهرة حتى يتمكن العالم من توجيه التجربة من أجل استخلاص القانون العلمي الذي يشرحها ويفسرها. عليه، فالتجريب يكتسي أهمية بالغة في انتاج المعرفة العلمية.

موقف روني طوم

في نظره واهم كل من يعتقد على أن التجربة فقط من تمكننا من فهم العلاقات السببية بين الظواهر الطبيعية. فالتجريب وحده لا يكفي لإنتاج المعرفة العلمية. بدلاً من ذلك، يجب تضمين عنصر الخيال العقلي، باعتباره تجربة ذهنية عقلية تكمل التجربة التي تتم بواسطة الأدوات العلمية في المختبر. في رأيه، تتضمن كل نظرية كيانات وهمية يُعترف بوجودها، مما يعني أن عنصر الخيال العقلي يلعب دورًا رئيسيًا في التجارب العلمية. وبالتالي، فإنه يؤكد على التكامل الموجود بين ما هو واقعي وتجريبي من جهة، وما هو عقلي خيالي من ناحية أخرى، لأن التجريب لا ينفصل عن التفكير العقلي، والتجربة الذهنية لا تقل أهمية من التجربة الملموسة، لكنها تعطي قوة أكبر للواقع المدروس.

موقف أكسندر كويري

يؤكد ألكسندر كويري على أن التجربة بمعناها العام، لم تلعب أي دور في نشأة العلم وتطوره، باستثناء دور العائق، فهي تشكل عائق معرفي "ابستيمولوجي" يمنع تقدم المعرفة العلمية، لأنها تفتقر إلى الدقة والموضوعية، والحال ان العلم يساءل الطبيعة بمنهج علمي ولغة رياضية، لهذا يرى أن التجريب نوع من المساءلة المنهجية الطبيعة يفترض إعدادا مسبقا للغة التي يثير بها تساؤلاته، فهو نقطة تقاطع بين ما هو تجريبي وما هو رياضي عقلي. وبالتالي فالتجريب يمكننا من خلق فكرة واضحة عن الواقع على أساس استدلالات علمية ورياضية. وهذا ما ساهم في ظهور النظريات العلمية وتطويرها.

خلاصة المحور

في نهاية المحور، يتضح أن إنتاج المعرفة العلمية، أو بناء النظرية العلمية، يعتمد على الترابط بين التجريب الذي يجسد كل ما هو واقعي وملموس، والخبرة العقلية أو التجربة الذهنية التي تمثل نشاطًا رياضيًا حرًا للعقل. وتباين المواقف يجد تفسيره في الاختلاف بين المنطلقات الفكرية التي تنظر إلى التجريب كمصدر وحيد لتحقيق اليقين العلمي، وبين الذي يأخذ في الاعتبار ضرورة دمج الخيال في قلب المنهج العلمي.
google-playkhamsatmostaqltradent