العلاقة مع الغير
إذا كان الإنسان هو صلب الاهتمام الفلسفي
منذ ان رفع سقراط شعار "أيها الإنسان اعرف نفسك
بنفسك" فسيكون من الطبيعي ان تخصص الفلسفة حيزا هاما من انشغالاتها لعلاقة
الإنسان بالإنسان، علاقة الأنا بالأغيار، تلك العلاقة المركبة التي يمكن أن ينجم عن
ذلك إما علاقات إيجابية (الصداقة، التسامح، التعاون،) ويمكن على العكس من ذلك تماما،
تولد علاقات سلبية (الإقصاء، العنصرية، العنف...)، إن مثل هذه التقابلات هي التي تدفع
التفكير الفلسفي أن يهتم أكثر بمفهوم الغير.
إشكالية المحور
ما هي العلاقة الرابطة بين الأنا والغير...؟
هل هي علاقة صداقة وتضحية واحترام أم علاقة
كراهية وهيمنة وصراع...؟
أرسطو
الصداقة أمر لا غنى عنه. فهو إحساس فطري في
قلب الإنسان، إذ يعجز الفرد لوحده أن يكفي ذاته بذاته، لذلك فهو يدخل في صداقات مع الآخرين. ويقسمها أرسطو إلى ثلاثة أنواع: صداقة
المتعة وصداقة المنفعة وكلاهما مجرد وسيلة لتحقيق المتعة أو المنفعة مما يجعل هذا
النوع من الصداقة، زائف وزائل، فهي تزول بزوال المتعة والمنفعة. أما النوع الثالث فهو
الصداقة الحقيقية "صداقة الفضيلة"، صداقة تقوم على
المحبة والوفاء، وهي دائمة ومستمرة. تقوم على حب الآخر لذاته، لأنها غاية في حد
ذاتها، ومن خلالها يمكن أن تتحقق المنفعة والمتعة، ولكن ليس كغاية في حد ذاتها،
وإنما كنتيجة ضرورية لهذا الصنف النادر من الصداقة.
أوغيست كونت
يدافع عن مبدأ أساسي شعاره الإنسانية
والغيرية كمرجعية أساسية للعلاقة بين الأنا والغير. "إن كل شيء فينا
ينتمي للإنسانية، وكل شيء يأتينا منها" (الحياة، الثروة، المعرفة، السعادة، الحب...)
ومعنى ذلك أن الإنسان كفرد مهما بلغت مكانته العلمية والمادية والفكرية
والجسدية... إلا ويكون محتاجا للإنسانية وهو مدين لها. إذ ما نحن فيه من خير ونعيم كان
سببه هو الغير (علماء، مفكرين، مخترعين، مكتشفين...). أما الغيرية فهي تحتوي داخلها مختلف القيم الإنسانية الإيجابية، تقوم على مبدأ تجاوز
أنانية الفرد وسعيه وراء تحقيق نزعاته المصلحية والشهوانية الضيقة، والإيمان
بضرورة التضحية والحياة من أجل الغير. وهذا لا يمكن أن يتحقق في الحياة الإنسانية
دون تقوية وإغناء مشاعر التضامن والتعاطف والحب بين أفراد المجتمع الإنساني.
ألكسندر كوجيف
أساس العلاقة الرابطة بين الأنا والغير، لا
تتأسس أو تقوم على مبدأ الصداقة أو التضحية، بل على الهيمنة والتحكم والصراع. حيث يسعى كل طرف إلى انتزاع الاعتراف بنفسه من الطرف الآخر، وهذا الاعتراف لا
يُمنح سلمياً، ولكن يتم انتزاعه من خلال صراع يخاطر فيه الطرفان بحياتهم حتى
الموت، وهذا الموت لا يحقق هذا الاعتراف من منظور "كوجيف". وإنما يحققه
استسلام أحد الطرفين. فيبقي المنتصر على حياة المنهزم لينتزع اعترافه، ويفضل المنهزم
أن يظل في خدمة المنتصر بدل الموت. وبذلك تنشأ "علاقة السيد بالعبد"، فالانتصار إذن يحول أحدهما إلى سيد والهزيمة تحول الآخر إلى عبد.
خلاصة المحور
إن التفكير في العلاقة مع الغير، يكشف عن
إشكالية عميقة وغنية في طرحها لهذه المسألة الفلسفية. فالعلاقة بين الأنا والآخر
علاقة جد مركبة. وهي تختلف وفقًا لطبيعة الآخرين (الأغيار)، ووفقًا لتصنيف الأنا
للآخر، إما كغير قريب أو بعيد، ومن هناك تنقسم العلاقات القائمة على خلفية هذا
التصنيف إلى علاقات إيجابية وسلبية. تتأرجح ما بين النظرة الاقصائية والنظرة
الأخلاقية الوجدانية والنظرة التي تريد تؤسس العلاقة معه على أسس الحوار والصداقة
والتضحية.