ما الذي یمكننا استخلاصه من دراستنا لمفھوم التقنیة؟
یطرح مفھوم التقنیة إشكالات متعددة وینفتح على آفاق كثیرة تغطي مجالات الحیاة الإنسانیة. إنه مفھوم أصبح في صلب النقاشات السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة وفي العلاقات الدولیة.
استنتجنا كیف لا یمكن اختزال التقنیة في صنع الأدوات والآلات، وفي استعمالھا. لقد توجھت مجموعة من المجتمعات والدول صوب الأدوات والآلات باعتبارھا ھي التقدم والرفاھیة، لكن باءت جھودھا بالفشل الذریع خصوصا حین لم ترافق الأدوات بوعي وباستراتیجیا تحدد الأھداف بدقة، وتحدد الغایات التي من أجلھا صنعت الأدوات والآلات. عوض الاھتمام بالتواصل تم اختزال الأمر في الھاتف، وعوض الاھتمام باستراتیجیا التعلیم تم الاھتمام بأدوات عصریة اعتقد أن مجرد استعمالھا سیصنع الوعي والتقدم. التقنیة أدوات وآلات، ھذا لا یمكن أبدا نكرانها، لكنھا كذلك وعي وتخطیط واستراتیجیا.
استنتجنا أن التقنیة وكما ترتبط بالعلم من جھة اعتمادھما المتبادل على بعضھما البعض، لھا استقلالھا النسبي، وكما ترتبط بالمجتمع والدولة والمصالح، لھا استقلالیتھا بحیث ھي التي تصنع المصالح. لقد أصبحت التقنیة وحشا كاسرا یتحكم لھا منطقھا الخاص ولھا قوتھا الذاتیة ولھا ھیمنتھا. لقد فرضت نفسھا على الكل بحیث صنعت العولمة وصنعت الكونیة وقضت على الثقافات المحلیة وعلى الخصوصیة. لقد أصبحت أكثر فأكثر تفرض نفسھا كثقافة بدیلة وھذا جانب من استقلالیتھا الذي یجب الوعي به.
تعبر التقنیة على الفاعلیة الإنسانیة وعلى المجھود التاریخي الذي بدله الإنسان منذ بدایاته الأولى ومنذ انبثاق الوعي الإنساني، ھاته الفعالیة ساھمت في صنع عالم إنساني قطع مع المعطى الطبیعي. لم یعد في العالم مكان لم تصله التقنیة ولم تصله الفعالیة الإنسانیة ولم یصله التحویل الإنساني. وھذا طرح مجموعة من التحدیات أمام الإنسان، لأنه بقدر ما حل مجموعة من المشاكل المصیریة بالنسبة للإنسان، صنع مجموعة من المشاكل الجدیدة التي أصبحت تھدد وجوده وبقاءه.
